العبقرية ومناهجنا التعليمية

العبقرية ومناهجنا التعليمية
أتوقف كثيراً أمام شخصيات أثّرت في الحياة السياسية والثقافية والأدبية
والعلمية من أمثال (نيوتن وأنشتاين، ومحمد علي، وتولستوي، وزكريا تامر
وحنا مينة والعقاد... وغيرهم). فهؤلاء لا يجمعهم في ذلك شيء إلا الوهج في
العقل، وتلك العبقرية التي لا يكتسبها المرء بألف شهادة جامعية.‏
فقد ترك اسحاق نيوتن المدرسة مبكراً، وقبل أن يبلغ الثانية عشرة من عمره
وأقبل على القراءة بلهفة لكل ماوقع تحت يده من كتب، ثم التحق بجامعة
كامبريدج عام 1663، ووضع نظرية الجاذبية.‏
وألبرت أنشتاين صاحب نظرية النسبية علّم نفسه الهندسة التحليلية والجبر
وهو في سن الرابعة عشرة وقد كان يُظهر الملل من دراسة قواعد اللغة.‏
أما الكونت تولستوي الأديب المعروف صاحب (الحرب والسلام) و(آنا كارنينا)اللتان تعدان من روائع الأدب العالمي، فقد التحق بجامعة (كازان) لكنه لم
يلبث أن ضاق بمناهجها الدراسية ذرعاً، فقرر أن يكمل دراسته في بيته
معتمداً على نفسه، وماهي إلا عدة سنوات حتى أتقن عدة لغات، واستوعب العلوم
الطبيعية والاجتماعية والرياضيات والموسيقى والفن التشكيلي والطب
والزراعة، وبهذه الثقافة الموسوعية وموهبته الأدبية بدأ تولستوي حياته
الأدبية.‏
أما محمد علي باشا فلم يتعلم فك الخط إلا في الأربعين من عمره، إلا أنه كان
داهية في السياسة والعسكرية، ورجل تخطيط من الطراز الأول. وعباس محمود
العقاد عبقري الأدب علم نفسه بنفسه وأخذ الثقافة من كل نبع حوله.‏
وزكريا تامر ترك الدراسة مبكراً إلا أنه يعد من أهم الأدباء الذين أسسوا
الحياة الثقافية في سورية في النصف الثاني من القرن العشرين.‏
إذن؛ العبقرية لا تتعلق بمستوىً تعليمي محدد، وإنما هي موهبة بالدرجة
الأولى، وجهد وعرق في الدرجة الثانية كما يحب أن يسميها أنشتاين.‏
أكتب عن هؤلاء العباقرة لألفت الانتباه إلى ضرورة مراجعة المناهج
التعليمية، وطرق تدريسها؛ للانتقال بالأجيال الطالعة من التلقين والحفظ
(البصم) إلى طرق حديثة في إتاحة الفرص لإعمال العقل في التحليل والابتكار
وأخذ النتائج والعبر.‏
إن مناهجنا التعليمية وعلى مدى عقود من الزمن اتبعت أساليب وطرقاً في
تقديم المادة (العلمية أو الأدبية) تبعث على الملل، وتغلق العقل أمام
الخيال والابتكار وتضع الطالب تحت كابوس العلامة الكاملة، وتقف حائلاً أمام
مواهب وعبقريات امتلأت بها صفوفنا في يوم من الأيام ثم ماتت ولم نسمع بها،
لأنها لم تجد الرعاية والانتباه اللازمين في الكشف عن تلك العبقرية وتلك
الموهبة.‏
وأنا بدوري أدعو إلى الانتباه إلى تلك العبقريات وضرورة الكشف عن
المتفوقين عقلياً، والموهوبين من أبناء وطننا في سن مبكرة من حياتهم
المدرسية، وتدعيم المناهج الدراسية والتعليمية المقررة بإضافة بعض
الأنشطة بغرض تنمية قدرات المتفوقين ومواهبهم، وأسند المسؤولية في ذلك
إلى المعلمين في الدرجة الأولى والمسؤولين في وزارتي التربية والتعليم.‏
فالعبقرية ثروة حقيقية للأوطان، لنمائها وتقدمها وتطورها، والانتقال بها
من مرحلة الأخذ والتلقي إلى مرحلة العطاء والتأثير في التطور الحضاري
الحاصل حولنا.‏
فهل من مجيب؟؟؟؟‏


المصدر: غادة الأحمد - جريدة الاسبوع الادبي


2 التعليقات:

موضوع رائع ، لو طبق مع طلابنا لنافسنا على العالمية، وهانحن قد بدأنا نشق طريق المنافسة.

معا نحدث فرق بإذن الله
ورب همه أحيت أمه..........

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More